أتى زمن الميلاد

"تشجّعوا وارفعوا الرّأس، لأنّ خلاصكم قريب"، هذا ما قرأناه في الإنجيل. زمن المجيء هو زمن الرّجاء. إنّ النّظرة الشّاملة لدعوتنا المسيحيّة، ووحدة الحياة هذه، الّتي محورها حضور الله، أبينا، يمكنها ويجب أن تكون بالنّسبة لنا حقيقة يوميًّة.

أعداء الروح

أليوم يبدأ زمن المجيء، ألزّمن الملائم لنفكّر بـهذه الأفخاخ الّتي ينصبها لنا أعداء نفسنا، وهي اضطرابات الفجور والخفّة؛ وجنون العقل عندما يقاوم الرّبّ؛ والإدّعاء المتعجرف، الّذي يمنع حبّ الله والخلائق. كلّ هذه الحالات النفسيّة هي عوائق أكيدة، وقدرتـها على الإزعاج كبيرة. لـهذا السّبب تجعلنا اللّيتورجيا نتوسّل إلى رحمة الله: "إليك يا ربِّ أرفع نفسي، إلـهي عليك توكّلت، فلا أخزَ، ولا يشمَت بي أعدائي". تلك هي الصّلاة الّتي رفعناها في نشيد الدّخول. وفي تسبحة "التّقدمة"، سوف نكرّر: "إنّ رجائي بك، يا ربّ، فلا تخذلني!"

ألآن وقد اقتربت برهة السّلام، فإنّه لمعزٍّ أن نسمع من فم القدّيس بولس أنّه "لمّا ظهر لطف الله محيينا، ورحمته، أحيانا هو، لا بأعمال برّ عملناها، ولكن بمراحمه".

الحساب الأخير

لن أضيف الكثير على ما قلته، في هذا الأحد الأوّل من زمن المجيء، حيث بدأنا بتعداد الأيّام الّتي تفصلنا عن ولادة المخلّص. لقد تأمّلنا في واقع دعوتنا المسيحيّة: فرأينا كيف أنّ السّيّد قد وثق بنا ليجذب النّفوس إلى القداسة، وليقرّبـها منه تعالى، وليضمّها إلى الكنيسة، فيبسط ملكوت الله على جميع القلوب. إنّ السّيّد يريدنا مكرّسين، أمناء، لطفاء ومحبّين. يريدنا قدّيسين، وخاصّته.

فتجد من جهة: ألكبرياء، ألشّهوة، ألسَّأم والأنانيّة؛ ومن جهة أخرى: ألحب، ألإندفاع، ألرّحمة، ألتّواضع، ألتّضحية والفرح. عليك بالإختيار. فقد دُعيت إلى حياة إيمان ورجاء ومحبّة. ولا يمكنك أن تطمح إلى أقلّ من ذلك، وتبقى وحيدًا وبائسًا.

"تشجّعوا وارفعوا الرّأس، لأنّ خلاصكم قريب"، هذا ما قرأناه في الإنجيل. زمن المجيء هو زمن الرّجاء. إنّ النّظرة الشّاملة لدعوتنا المسيحيّة، ووحدة الحياة هذه، الّتي محورها حضور الله، أبينا، يمكنها ويجب أن تكون بالنّسبة لنا حقيقة يوميًّة.

يسوع المسيح إله كامل وإنسان كامل

لقد تجسّد إبن الله، "وهو إله كامل وإنسان كامل". وفي هذا السّرّ ما يدعو المسيحيّين إلى التّأثّر. فأنا قد تأثّرت، ولا أزال: وكم أحبّ العودة إلى "لوريت". وإنّي أذهب إليها بالفكر، عائشًا سنوات طفولة يسوع مجدَّدًا، مكرّرًا ومتأمّلاً أنّ الله سكن في منـزل من صنع البشر.

"يسوع المسيح، إله وإنسان". هذه واحدة من عجائب الله، الّتي علينا أن نتأمّلها، ونشكر، لأجلها، هذا الرّبّ الّذي جاء يحمل "السّلام على الأرض لذوي الإرادة الحسنة"، ولكلّ البشر الّذين يريدون أن تتّحد إرادتـهم بإرادته تعالى، الفائقة الطّيبة: ليس فقط للأثرياء، والفقراء، بل لجميع النّاس، لجميع إخوتنا ! لأنّنا جميعا إخوة في يسوع، إبن اللّه، إخوة المسيح: أمّه هي أمّنا.

ليس على الأرض سوى نسل واحد: نسل أبناء الله. علينا أن ننطق جميعنا بلغة واحدة، وهي تلك الّتي يلقّننا ايّاها أبونا الّذي في السّماوات: إنّها لغة حوار يسوع مع أبيه، ألّلغة الّتي ننطق بـها بواسطة القلب والعقل، وهي تلك الّتي تستعملونـها الآن في صلاتكم. إنّها لغة النّفوس المتأمّلة، لغة الناس الرّوحيّين، لأنّهم اكتشفوا بنوّتـهم الإلـهيّة. إنّها لغة تتميّز بألف احتفاز للإرادة، وأنوار في العقل، وتوثّبات في القلب، وقرارات بسلوك حياة مستقيمة في الصّلاح والصّفاء والسّلام.

المصدر: كتاب "عندما يمر المسيح" للقديس خوسيماريا اسكريفا